في العاشر من شهر نوفمبر عمدت القوات الفرنسية الى إعتقال رئيس الجمهورية اللبنانية بشارة الخوري ورئيس الوزراء رياض الصلح إضافة الى وزير الخارجية والأشغال العامة سليم تقلا ونائب الشمال عبد الحميد كرامي ووزير التجارة والصناعة عادل عسيران ووزير الداخلية كميل شمعون وسجنتهم في قلعة راشيا في غرف منفردة داخل القلعة. وذلك عام 1943

والأخبار التي تتردد من أحد كبار السن بأن “الرسائل كانت تنتقل بين المعتقلين والثوار في الميادين من خلال حلاق في راشيا.. والذي كان يخفي الرسائل داخل موس الحلاقة كي لا يتمكن الجنود الفرنسيون من إكتشافها

هذه الإعتقالات كانت شرارة الثورة الوطنية والشعبية التي دحرت الإحتلال الفرنسي بعد أن حررت الحكومة اللبنانية دستور 1936 من النصوص التي تعطي صلاحيات مطلقة للمفوض السامي .وعقب الإعتقالات السياسية التي نفذها الفرنسيون إندلعت المظاهرات في جميع أرجاء الوطن وعمّ العصيان المدني في أرجائه لإثنتي عشر يوماً متتالية على الرغم من التشديدات العسكرية الفرنسية.

ونتيجة الضغط الشعبي أفرج الجنرال الفرنسي “كاترو” عن المعتقلين في راشيا في 22 نوفمبر من العام نفسه

عندها خرج مئات اللبنانيون الى حرم القلعة وحملوا بشارة الخوري ورياض الصلح على أكتافهم الى أن وصلوا الى أسواق راشيا المحاذية للقلعة ليشاركوا في أول مهرجان إحتفالي إستقلالي في لبنان

منذ تلك اللحظة أضحى “22 نوفمبر” عيداً وطنياً إستقلالياً ولا يزال لبنان يحتفي به حتى يومنا هذا. وسميت قلعة راشيا فيما بعد ب “قلعة الإستقلال وحصن تشرين” وأدرجت في وقت لاحق على لائحة الأماكن السياحية في 1997

كما يشار الى ان الحكومة الفرنسية إعترفت بإستقلال لبنان التام في 22 نوفمبر 1943 ليصبح دولة مستقلة ذات سيادة وتبنت حكومته علماً جديداً بصيغته الحالية، وكتبت نشيداً وطنياً خاصاً بها تبع ذلك تسلم اللبنانيون إدارة بلادهم بكل مؤسساتها الرسمية وبنى الجيش الوطني. كما شارك لبنان عقب إستقلاله في توقيع بروتوكول الإسكندرية وتأسيس جامعة الدول العربية

تاريخ قلعة راشيا

لم يكن اللبنانيون يوماً يعلمون ان “قلعة راشيا” المنتصبة فوق منحدرات ثلاثة وعلى إرتفاع  1400 متر عن سطح البحر والمقابلة للأراضي السورية والفلسطينية ستكون أيقونة تاريخية ترتبط بإستقلال لبنان عن الإحتلال الفرنسي

ويعود تاريخ القلعة والواقعة في بلدة راشيا جنوب محافظة البقاع (شرق لبنان) الى العهد الروماني حيث بنيت كحصن تأمين ومراقبة للقوافل التجارية التي كانت تنطلق من لبنان الى البلدان المجاورة ومنها الى الموانئ العالمية

ومكنها موقعها الإستراتيجي من لعب دور تأمين القوافل التجارية لأنها لا تبتعد سوى نصف ساعة من الأراضي الفلسطينية ومثلها الى سوريا. كما أصبحت القلعة ابان الغزو الصليبي للشرق (1099م) حصن دفاع عسكري ومركز تدريب للجنود ليضيفوا لها في وقت لاحق أبراج مراقبة جديدة

لكن العائلة الشهابية (1370م) خلال الحكم العثماني وسعت حدود القلعة الى 8 الاف متر مربع وإتخذتها كمقر للعائلات الحاكمة التي تعاقبت على إدارة لبنان.  وجعل الشهابيون لها قناطر عثمانية في جهتها الجنوبية الغربية وتركوا في صدرها لوحة حجرية منقوشة بدقة. ومع بداية الإحتلال الفرنسي (1920 1043) تم تشييد سور القلعة الشرقي وأعيد ترميم بعض أجزائها بإستخدام حجارة المنازل المحيطة بها. لكن الفرنسيين إستخدموا القلعة خلال فترة حكمهم كسجن ومعتقل ليس لعموم الناس فقط.. بل لرجال السياسة ايضاً

تعليق الليبانون تايمز: أردنا  في عيد الإستقلال اللبناني الحامل على أكتافه رقم 77 الإضاءة على قلعة راشيا.. وعن الإعتقال.. وعن الحلاق الذي أصبح ساعي بريد من خلال نقل الرسائل بواسطة موس الحلاقة.. والإضاءة على فجر جديد يدعى الإستقلال .. والاضاءة على الرجال الرجال الذين كانوا رجال وصنعوا الإستقلال…