قبل 2022 عاماً ميلادياً إرتعب الملك هيرودس عندما علم بأن ملكاً سيولد في بيت لحم.. خاف على مملكته ونفوذه وممتلكاته… فقرر أن يقتل جميع أطفال بيت لحم.. وإنتشرت جيوشه في كل الأحياء يقتلون ويذبحون الأطفال.. وعمّ عويل الأمهات ولم تعد تسمع في بيت لحم الا نحيب الأمهات على أطفالهم. والأم التي دافعت عن إبنها قتلت معه.. وسال الدماء في شوارع بيت لحم

وبناء عليه.. وبرسالة إلهية حمل القديس يوسف والسيدة العذراء إبنهما الطفل يسوع وغادرا بيت لحم.. إغتربا عن بلدتهما وتغربا الى بلد آخر فكانت العائلة المهاجرة من بيت لحم الى مصر.. هرباً من سلطة وجبرؤت الملك هيرودس وإنقاذاً لحياة إبنهما

وبعد 2022 ميلادياً..

تتكرر المأساة.. وتتكرر أسباب الهجرة من الأوطان … وتتكرر أسباب الإغتراب.. منهم من يختار الهروب واللجوء الى دول أخرى برمي نفسه في البحر.. منهم من دخل دول أخرى خلسة.. وفئة تختار أساليب عدة للإغتراب او الهجرة.. المهم الإبتعاد عن الوطن

وبعد عام 2022 ميلادياً..

ينبت في العالم أكثر من إمبراطور هيرودس واحد..  بل أصبح الهيروديسيين في أكثرية الدول.. يزاولون الخطف.. القتل.. والسجن دون سبب.. والإعتقال  والتفجير.. والإنسان أصبح خياره الوحيد الهجرة تماماً كالعائلة المقدسة التي تهجرت وإغتربت الى مصر هرباً من أحكام هيرودس بإستباحته القتل

وبعد عام 2022 ميلادياً..

يبدو بأن لا نبيّ مكرّم في وطنه.. ولا رسول.. ولا إبن الله.. لأن الحكام في بعض الدول نصّبوا أنفسهم آلهة. نصّبوا أنفسهم رسل.. نصّبوا أنفسهم فوق الصلاة وفوق الكتب المقدسة.. وحللوا القتل بإسم الله.. فهم لديهم ملكوت في تهجير الإنسان وتفريق العائلة بالهجرة والإغتراب وإقتلاعهم من جذورهم كنبتة لتزرع في دولة أخرى.. وهيرودس لم يزل في بعض دول العالم يزاول قتل الأطفال الصغار والكبار والنساء والشيوخ.. والشاطر يرحل

في عيد الميلاد إخترنا موضوع الغلاف الإغتراب.. لأننا مثلك أيها الطفل.. مغتربين كإغترابك الى مصر.. مغتربين قسراً تماماً مثلك أيها الطفل.. مغتربين لا نعرف مصيرنا كيف سيكون.. من سيستقبلنا من سيرفضنا.. هل سنكون لاجئون.. راحلون عن أوطاننا تاركين عيوننا تسهر على مخدة الوالدة.. تاركين جرحاً في قلبها.. وأب يرفض البكاء على رحيل أولاده ولكنه يتمزق ألماً من الداخل.. وبين الإغتراب والرحيل عن الأهل يقف هيرودس حائلاً بيننا

قبل 2022م وبعد 2022م..

إغتراب طفل.. وإغتراب عائلة مقدسة.. وهناك فرق شاسع بين إغتراب طفل وإغتراب الإنسان في عصرنا الحالي.. الطفل يسوع عاد الى بيت لحم بعد أربع سنوات مع السيدة العذراء ويوسف النجار.. أي بعد موت هيرودس.. أمّا نحن المغتربين فقد أصبحنا غرباء في وطننا وغرباء في الخارج.. خسرنا الأهل في الوطن وخسرنا شبابنا.. فإذا عدنا الى أوطاننا لم نعد نعرف أحد فقد رحل الأصدقاء.. والأقرباء.. والجيران.. أيضاً حتى المختار لم يعد يعرفنا وسجلاتنا وشهادات الولادة على الرفوف أكلها الغبار

إغترابنا كان بسبب هيرودس.. الذي إغتال وجودنا ومستقبلنا في الوطن وإقتصادنا.. وأصبحنا نلهث وراء رغيف الخبز ونفرح إذا وجدنا لمبة مضاءة لنقف تحتها وننظر الى وجوه بعضنا البعض قبل أن نهرب من ظلم هيرودس.. ومن سيف هيرودس ونتشرد هاربين ونحن نلتفت وراءنا اذا كان هيرودس يلاحقنا

في عيد ميلادك أيها الطفل المخلص أعرف جيداً بأنك ستتغرب بعد أسبوع من ولادتك الى مصر وستعود الى بيت لحم

في ميلادك أتضرع لك وأصلي.. إرحمنا أيها الطفل من الهيروديسيين في العالم الذين يقتلون البشر بإسمك ويهجرون ما تبقى منهم بإسمك . فليكن مجدك في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة

فقد أردنا في عيد الميلاد أن نشارك الطفل يسوع إغترابه مع إغترابنا مع التأكيد بأن لا شيء تغير فقد تغير فقط إسم هيرودس بأسماء آخرين ولكن النتيجة واحدة .. وبين إغتراب طفل وإغتراب الإنسان بالألفية الثالثة

يبقى لنا رجاء بميلاد المخلص وشجرة عيد مضاءة بالأمل.. وسنة راحلة وسنة جديدة تسلم أوراق إعتمادها لروزنامة تحمل 2023 فكل ميلاد مجيد وكل سنة جديدة أنتم أيها القراء ونحن بخير. ولتكن سنة جديدة خالية من الهيروديسيين