ايها الطبيب .. انا في سن العاشرة اتألم كثيرا فربما اجد لديك هذا الدواء .. ارجوك ساعدني فأنا اسمع الكبار يقولون بأن كل من يرتدي رداء ابيض بيده العلاج والشفاء .. ارجوك ايها الطبيب اعطيني هذا الدواء .. فأنا اتألم من الوجع، ويقولون بأن مرضي لا يحمل اثار المرض او الحرارة المرتفعة ولكنه مؤلم كالسكين على الجرح، فأنا مريضة ايها الطبيب ومرضي سببه انني مشتاقة لوطني ! كل شيء في جسدي يؤلمني كل عظمة .. الزفير يؤلمني …. الذكريات تغتالني وانا سائرة او جالسة او نائمة، اعاني من مرض مؤلف من كلمتين : مشتاقة لوطني ! رجاء ايها الطبيب المداوي اعطيني هذا

الدواء !

الوالد يقول لي : لا عودة الى الوطن .. لأن وطننا يحترق .. والوالدة تقول : هربنا من الموت !

وانا موجوعة ايها الطبيب لا الرفاق هنا رفاقي .. ولا الملاعب هنا ملاعبي .. ولا المدارس هنا مدرستي .. ولا اللغة هنا لغتي .. ولا الارض هنا ارضي .. ولا الوطن الذي انتقلت اليه وطني .. ارجوك ايها الطبيب اعطيني هذا الدواء فأنا مشتاقة لوطني .

اشتقت لدرج البيت في وطني، البيت الذي ولدت فيه اشتقت لابو محمود بائع الكعك ..اشتقت لبائع السحلب اشتقت لبائع السوس والجلاب الذي يحمل على اكتافه العصير ويلاعب الفناجين بيديه .. اشتقت لكلمة صباح الخير وانت ابنة مين يا حلوة .. اشتقت للعبة الاكس مع اولاد الحي ! اشتقت لصوت المآذن، اشتقت لصوت اجراس الكنائس .. ارجوك ايها الطبيب اعطيني هذا الدواء فأنا مشتاقة لوطني واشتياقي له مؤلم.. قاتل..مجرم.. يمزقني وانا الطفلة ابنة العشر سنوات مشتاقة لوطني !

يقولون بأن الاطفال في وطني يستشهدون ..وباعة الزهور يستشهدون، والباعة المتجولين وباعة الخضار وباعة اليانصيب .. الا باعة الوطن فهم بالترف يرزقفون وينعمون .. ايها الطبيب الذي ترتدي الرداء الابيض هل تزرع الضمير !! رجاء ايها الطبيب اعطيني هذا الدواء فأنا مشتاقة لوطني !

عمو، ايها الطبيب اسمع الوالدين يقولون، وهم بدورهم سمعوا هذا الخبر عن وسائل الاعلام، بأن الامم المتحدة  ستتصدّق و سترسل لوطني مواداً غذائية .. وان هناك ايضا دعماً عربياً سيتصدّق على وطني بالخيم والبطانيات ..ولكن عمي ينتفض ويصرخ ويضرب بيده الحائط صارخا :

نحن بحاجة ماسة لأكفان من كافة القياسات، وكل من يملك اي نوع من القماش يتصدق علينا به .. نحن لسنا بحاجة الى دعم عربي او مواد غذائية !! ارأيت ايها الطبيب كم انا موجوعة ! صدقني وطني يبكي علينا .. ونحن نبكي عليه .. ارجوك ايها الطبيب اعطيني هذا الدواء: مشتاقة لوطني !

ايها الطبيب فراق الوطن مؤلم .. والغربة تسرق عمرك .. وتصبح بين غربتين، غريب في الغربة  وغريب عن وطنك ..

الغربة ايها الطبيب تعطيك السنوات وتأخذ عمرك،

الغربة ايها الطبيب تعطيك الاجازة وتأخذ الاعياد،

الغربة ايها الطبيب تعطيك المراجيح وتأخذ الطفولة،

الغربة ايها الطبيب تعطيك الحقول وتأخذ منك الربيع،الغربة ايها الطبيب تعطيك الكتب السماوية وتأخذ الصلاة .

فبكى الطبيب وانحنى على ركبتيه وحضن ابنة العشر سنوات وضمها الى صدره قائلاً :

في بلادنا اعطونا الثورة … واخذوا الرجال !! آه لو تدرين كم انا موجوع !