مما لا شك فيه أن مغارة جعيتا في لبنان هي من أشهر مغاور العالم جمالاً وإتساعاً، ففي تجاويف وأنفاق حفرتها الطبيعية تحول الماء الى نحات صامت عمل على مدار ملايين السنين في تكوين عوالم من القبب والمنحوتات بروعة لم تمتد اليها يد بشرية ولم تسهم في جمالها أية مخيلة
تقع مغارة جعيتا في وادي نهر الكلب على بعد 20 كلم الى الشمال من بيروت، وتمتاز بوجود طبقتين فيها، طبقة عليا جافة وطبقة سفلى يسيل فيها نهر جوفي يشكل الجزء المغمور من نهر الكلب
-
بندقية صيد إكتشفت المغارة
في الثلاثينيات من القرن الماضي قام المبشر الأميركي “وليام طومسون” بالوصول اليها بعد أن أطلق النار من بندقية الصيد التي كان يحملها. ومن خلال الصدى الذي أحدثه دوي الطلق الناري أدرك ان للمغارة إمتداداً جوفياً مهماً
وبعد مضي بضع سنوات على تلك الحادثة قام إثنان من مهندسي شركة أشغال بيروت وهما “ماكسويل وهاكسلي” بإكتشاف نهر الكلب
امّا المغارة العليا فقد ظلت مجهولة الى عام 1958 الى أن قام فريق من مستكشفي المغاور اللبنانيين من دخولها ثم توغلوا فيها مسافة 2130 متراً. وتمثل هذه المغارة الحالة الأولى لمغارة جعيتا. فقد سبق تكوينها تكوين المغارة السفلى ببضعة ملايين من السنين أي قبل حصول التعديل الجيولوجي لمجرى النهر، الى أن إستقر في المستوى الجوفي الذي يجري فيه اليوم
-
كيف إجتمع معاً الضوء والظل
من أين إرتفعت تلك الشموع، ومن رفعها في المغارة؟ ومن أين تدلت تلك المحفورات التي يخيل للمرء أن شاهدها ولم يشاهدها؟ وتلك الألوان الغريبة كيف إستطاعت أن تجتمع وتتداخل بين الضوء والظل معاً؟
يكاد الزائر لا يصدق ما يرى، كأن جميع مدارس النحت والرسم إجتمعت عندنا في لبنان لتتصالح وتتعانق وتقدم أعظم منحوته في تاريخ البشرية
-
ماذا قال الشاعر جورج شحادة
كم كان صادقاً الشاعر جورج شحادة حين كتب قصيدة عن المغارة تحت عنوان “صخور جعيتا تغني”.. جاء فيها : هذه المغارة هي أعجوبة للحرية.. فأولئك الذين يملكون العقول المفكرة يجدون في هذا المكان المفعم بذكريات الطفولة.. سندباد.. اليس في بلاد العجائب وجول فيلرن”
والمغارة تحمل في بطنها صخوراً تغني فعلاً عبر نزولها وصعودها وعبر ثناياها الكثيرة وضفائرها المنسكبة إنسكاباً موسيقياً
-
وأنت في القارب داخل المغارة
ترى سقوف محفورة حفراً طبيعياً ورواسب كلسية ترتفع حينا وتتدلى أحياناً تتزين بالأبيض العاجي والأحمر المرجاني، ضوء من تحت الماء وصخور من فوقه فيخيل للإنسان إنه في رحلة بين أرجاء الغابة المسحورة الشجر فيها والعشب فيها حتى الروح فيها
يسير القارب وتسمع الأذن معزوفة موسيقية شفافة من صنع الهواء حين يداعب المتدليات المتناسقة التي يصل طولها الى 8 أمتار مؤلفة من آلة أرغن طبيعية ويعرف بأن مغارة جعيتا شهدت إبداع الموسيقى قبل ان يشهد الإنسان صناعة اي آلة موسيقية
امّا المغارة العليا فتستقبلك بأنغام كالخرير وأصوات الناي حيث ترى منحوتات ونقوش ومزخرفات بأشكال متعددة وممرات تضيق ثم تجد نفسك داخل بهو فسيح حيث تنقلك من خلالهم الى ملايين السنين الى الوراء
حقيقة زيارة مغارة جعيتا في لبنان هي زيارة الخيال المبدع… إنها لوحة خطها الله بيده