وأنت متوجهاً لزيارة وطنك.. وأنت جالس على مقعدك في الطائرة وفكرك يسبقك الى أرض الوطن وتتخيل مشهد والدتك يا ترى ماذا ستقول.. ماذا ستكون ردة فعلها عندما تراك؟.. عندما تتلمس وجهك؟ حين تقبل خديك.. وحين تضمك الى صدرها وهي تقول لك: يا تقبرني يا أمي شو إشتقتلك..

وأنت تنظر الى وجهها لترى بأن الشعر الأبيض إحتل رأسها والتجاعيد ملأت جسدها من وجهها الى يديها.. وتلاحظ بأن مشيتها أصبحت ثقيلة والرجفة في يديها

عندها تسقط دمعة من عينيك الى داخل جسدك.. وتترحم على الأيام التي قضيتها في الغربة بعيداً عن حنانها وبعيداً عن كلمة ماما

وأنت جالس في مقعد الطائرة

وأنت متوجها الى زيارة الوطن ولما لا.. فالوطن هو الأهل. وفي جوف الطائرة تسقط  دمعة فرح معللاً نفسك بتقبيل تراب الوطن.. ولقاء الوالدة والأشقاء.. وزيارة الأقرباء والبحث عن الأصدقاء الذين كنت تتشاجر معهم من أجل لعبة الكلة أو لعبة الغميضة.. أو حتى معاكسة صبايا الحي

جالس في الطائرة ودمعة فرح تسقط على خده وهو يتذكر حبه الأول لفتاة كانا يتواعدا على نبع المي.. ويتساءل هل تزوجت.. هل هي سعيدة.. هل لم تزل جميلة.. أم العمر والهم إنتصرا على الجمال

وفي الطائرة يمسح دمعة فرح ويتمنى لو يستطيع أن يدفع الطائرة بيديه كي يسرع في حركة طيرانها كي يصل الى وطنه الى بلدته.. وينتقل ايضاً وايضاً بالفكر الى غرفة نومه.. هل لم يزل السرير نفسه والأغطية ذاتها وشباك غرفته الذي يطل على غرفة إبنة الجيران الشقراء التي أحبها ولم يبوح لها بحبه

تارة تسقط دمعته فرحاً.. وتارة يصدر منه زفير معاتباً العمر الذي رحل. وتهبط الطائرة وتلامس دواليبها أرض مطار الشهيد الرئيس رفيق الحريري في بيروت ويسارع الى حمل حقائبه حيث إختار لوالدته ثياباً جميلة ولشقيقته معطف ولشقيقه ساعة يد وللجيران هدايا حتى للمختار ولم ينسى حقيبة صغيرة مليئة بالأدوية للأهل

البحث عن العمر الضائع

يصل الى بلدته ليجد بأن المنزل مقفل لا ضوء فيه ولا ضجيج.. والعشب الأخضر غطى الطريق  ومدخل الباب.. فالوالدة رحلت.. شقيقته سافرت الى الخليج مع زوجها.. وشقيقه مهاجر في البرازيل.. ولم يبقى الا العشب الأخضر بإنتظاره.. حتى الأصدقاء أصبحوا غرباء.. والجيران تغيرت وجوههم.. والمختار لم  يعد المختار الذي  كان يعرفه.. وأمام منزله والحقائب بيديه يجد يد تلمس كتفه قائلة

أنا المختار عبود أهلاً بك.. هناك من يسألني ومهتم جداً بشراء المنزل إذا كنت ترغب بذلك وبالسعر الذي تطلبه . ويعود المغترب الى أقرب فندق في لبنان ليمضي اسبوعاً في ربوع الوطن ليعود الى إغترابه مجدداً والدمعة بعينيه

العائد من الوطن

وهو العائد الى الغربة على متن الطائرة ودمعة الحزن في عينيه بعد أن كانت دمعة الفرح تسبقه لزيارة الوطن.. والدمعة خير من ألف مقال وقصيدة ولو تكلمت الدمعة لقالت : ربحت في إغترابي المال وخسرت تضامن العائلة في الإغتراب.. ربحت المال في الغربة وخسرت حضن الوالدة.. ربحت المال في الإغتراب وخسرت كلمة يا خي.. ربحت المال وخسرت الطيبة والجلسة تحت العريشة.. خسرت كلمة يا جار شرف عالقهوة.. هل ربحت؟؟…

أنا اليوم في الغربة.. وغداً ربما أعود ثانية الى الوطن ولكن ضمن صندوق خشبي

والدمعة لم تزل تنحدر من العين الى الخد وهو يفكر بوطنه لبنان.. كيف يصدر أبناءه ويستورد الغرباء.. كيف يحرم الأبناء عن أهلهم ويشتتهم في أقاصي الأرض.. وطن يبحث المسؤولين فيه على مصالحهم الخاصة.. وليس على مصلحة المواطن والوطن

وهكذا يزور المغترب وطنه بدمعة فرح.. ويعود الى الإغتراب بدمعة حزن ولوعة وأسى. فقد كتب على المغترب أن يعيش بين دمعتين مدى الحياة